تأليف خالد بن محمد عطية
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، خالق السموات والأرضين، ومنزل القرآن شرعة للمسلمين، سبحانه أحمده وأشكره على جزيل عطاياه وكريم نعماه، والصلاة والسلام على محمد الأمين، وخير بركات الله تعالى على سيد المرسلين وإمام المتقين، ثم أما بعد:
فهذا كتيب سهل ميسر يوضح بعض أحكام الجنائز والقبور، ويبين ما هو من السنة وما هو من البدعة من الأقوال والأفعال التي تصدر ممن ابتُلي بمصيبة الموت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
والسبب الذي حملني على أن أجتهد لإخراج هذا الكتيب وتأليفه وجمع مادته هو أن أغلب المسلمين يجهل الكثير من هذه الأحكام مع أهميتها البالغة في حياة المسلم، وكنت قد كتبت رسالة مطبوعة في صلاة الجنازة، جمعت فيها بعض المسائل على مذهب الأئمة الأربعة الفقهاء، فذكرت منها ما كان على مذهب الإمام أحمد؛ لحصول الفائدة، ودفعًا للخلاف، وبلغة لطالب العلم والباحث عنه.
وألفت نظر القارئ لأمر هامٍّ، وهو أني كثيرًا ما ذكرت في الكتيب كلمة (من السنة)، وقصدت بها من السنة المأثورة عنه rوليس القصد أن الحكم سنة، فربما ذكرت حكمًا واجبًا بعد كلمة (من السنة)، فليتنبه القارئ لذلك.
أسأل الله تعالى أن ينفع به المسلمين، ويعلم به من جهل، ويذكر به من نسي، وينبه به من غفل، والحمد لله رب العالمين، له الحمد في الأولى والآخرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
المؤلف
خالد بن محمد أحمد عطية
القسم الأول
الجنازة وما يتعلق بها
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
﴿أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ * كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ * كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ * لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ * ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾
الجنازة:
تعني هذه الكلمة بالكسر (الجِنَازة) الميت، وهي بالفتح (الجَنَازة) السرير الذي يوضع عليه الميت، وقيل: إنها تعني بالكسر الميت وهو موضوع على السرير، ومن ذلك قولهم: (التجنيز)؛ وهو وضع الميت على السرير، وجمع هذه الكلمة جنائز([1]).
الاحتضار:
هي حالة نزع الروح ومفارقتها للجسد، يحد بصر المحتضر فيها، ويرى ما لا يراه غيره من نعيم أو عذاب وجحيم.
القبر:
هو الحفرة التي يدفن فيها الميت، وهو آخر منازل الدنيا وأول منازل الآخرة، وفيه يحيا الإنسان حياة البرزخ؛ فإما يسعد بحسن عمله، وإما يشقى ويعذب بسوء ما اكتسب، والعياذ بالله.
من سنن الاحتضار والموت:
1- من السُّنَّة أثناء الاحتضار قراءة سورة يس؛ لأنها تثبت المحتضر، لقوله r: «اقرؤوا يس على موتاكم»([2]).
2- من السُّنَّة أثناء الاحتضار تلقين الميت الشهادة؛ لقوله r: «لقنوا موتاكم لا إله إلا الله»([3])؛ لأن من نطق الشهادة ومات عليها دخل الجنة، لقوله r: «من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة»([4]).
3- من السُّنَّة أثناء الاحتضار الدعاء بخير؛ لأن الملائكة تؤمِّن على الدعاء في ذلك الوقت، لقوله r: «إذا حضرتم المريض أو الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون»([5]).
4- من السُّنَّة بعد الموت تغميض الميت، قالت أم سلمة: دخل رسول الله rعلى أبي سلمة وقد شق بصره، فأغمضه ثم قال: «إن الروح إذا قبض تبعه البصر»([6]).
5- من السُّنَّة بعد الموت توجيه الميت نحو القبلة، قال أبو قتادة: توفي البراء بن معرور ... وأوصى أن يوجه إلى القبلة لما احتضر ... فقال رسول الله r: «أصاب الفطرة»([7]).
6- من السُّنَّة بعد الموت الدعاء للميت، لقوله rلما مات أبو سلمة فضج ناس من أهله، فقال r: «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير؛ فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون، ثم قال:اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وافسح له في قبره ونور له فيه»([8]).
7- من السُّنَّة بعد الموت الصبر على الفراق، وعدم الجزع والنياحة على الميت، لقوله r: «الصبر عند الصدمة الأولى»([9])، ولقوله r: «إن الميت يعذب ببكاء أهله»([10]).
8- ومن السُّنَّة بعد الموت تسجية الميت وتغطيته حتى يكفن، قالت عائشة: «سُجِّي رسول الله بثوب حِبَرَةٍ»([11]).
كيفية غسل الميت:
يوضع الميت على طاولة أو سرير أو ما يقوم مقامهما، ويُغطى ثم يجرد من الملابس، ثم يلف الغاسل على يده خرقة فيعصر بها بطن الميت كي يخرج منها الأذى، فيغسله حتى ينقى وينظف، ثم يوضئه كوضوء الصلاة، ثم يغسله من أعلى إلى أسفل ثلاث أو خمس مرات، ويستحب كون إحدى الغسلات بالماء والسدر، ويبدأ بشقه الأيمن في كل مرة ثم الأيسر، وإن كانت امرأة تنقض ضفائرها ليغسل شعرها ثم يعاد ويضفر ثلاث ضفائر، ثم يوضع الطيب والحنوط على الميت، ثم يكفن الرجل في ثلاثة أثواب، والمرأة في خمسة أثواب، يستحب كونها بيضاء.
ثم يقدم للصلاة عليه، وبعد الصلاة يحفر له لحدًا أو شقًّا في الأرض، واللحد أفضل، ثم يدخل القبر من جهة رأسه، فيوضع على شقه الأيمن في القبر مستقبلاً القبلة، ويوضع تحت رأسه ما يرفعه بمستوى جسده.
وقد اختلف الفقهاء في إزالة شعر الميت؛ كحلق عانته وقص شاربه إن كان طويلاً، وفي تقليم أظافره أثناء غسله، والمروي عن أحمد([12])أنه يستحب تقليم أظافره وقص شاربه؛ لأنه من السنة للمسلم في حياته، ويجعل ذلك - ما تساقط منه - معه في كفنه؛ لأنه جزء منه.
أما مسألة حلق عانته فله فيها قولان؛ يستحب لأنه من السنة، ولا يستحب لأن المغسل لربما احتاج إلى النظر لعورة الميت ولمسها، وهو محرم([13])، وكما أجمع الفقهاء على أن من مات وهو غير مختون يترك كما هو على حاله ولا يختن([14]).
من سنن الغسل والكفن:
1- من السنة في غسل الميت البدء باليمين، لقوله r: «ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها»([15]).
2- من السنة في غسل الميت غسله بالماء والسدر، ثلاث أو خمس أو أي عدد وتر حتى ينقى، ويجعل في آخر غسلة كافورًا، وإذا كانت امرأة يجعل شعرها ثلاث ضفائر، لقوله r: «اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فإذا فرغتن فآذنني...»، وقالت أم عطية: «مشطناها ثلاثة قرون»([16]).
3- من السنة في الكفن تحسينه، لقوله r: «إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه»([17]).
4- من السنة في الكفن التكفين في ثياب لا أكمام ولا جيوب لها، قالت عائشة: «كُفن رسول الله rفي ثلاثة أثواب سحولية (يمانية) بيض من كرسف ليس فيها عمامة ولا قميص»([18])أي ثلاثة أثواب بيض نقية.
5- من السنة في الكفن التكفين في الثياب البيضاء، لقوله r: «البسوا من ثيابكم البياض؛ فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم»([19]).
حكم صلاة الجنازة:
وتعتبر صلاة الجنازة (فرض كفاية)([20])؛ إن قام بها البعض سقطت عن الآخرين، ودليل ذلك قوله r: «صلوا على صاحبكم»([21]).
أما دليل وجوبها فقوله r: «صلوا على من قال لا إله إلا الله...»([22])، وكذلك عموم فعله rفي الصلاة على الجنائز.
شروط صلاة الجنازة:
ولصلاة الجنازة عدة شروط، والخلاف حاصل فيها بين الفقهاء، وهي ضمن قسمين:
الأول: ما يتعلق بالمصلي: وهي:
النية:والتي هي شرط لصحة أي صلاة، وهي شرط عند أبي حنيفة وأحمد([23]).
ستر العورة، الطهارة، استقبال القبلة:وهي شروط صحة لأي صلاة كانت.
الثاني: ما تعلق بالميت وهي:
1- كون الميت مسلمًا؛ لحرمتها على الكفار، قال تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ﴾([24]).
2- كون الميت طاهرًا، قد تم غسله.
3- كون الميت حاضرًا، إن كان من أهل البلاد([25]).
4- كون الميت أمام القوم حال الصلاة عليه.
5- كون الموجود من بدن الميت أكثره، وهو ما لزم غسله وتجب الصلاة عليه([26]).
6- كون الميت غير شهيد، إذ لا صلاة على شهيد الجهاد، وهو محل خلاف سيذكر.
7- كون الميت موضوعًا على الأرض، وغير محمول على دابة أو على الأعناق، والمروي عن أحمد أنه لا تجوز الصلاة على المحمول سواء على دابة أو على الأعناق([27]).
أركان صلاة الجنازة:
1-القيام للصلاة: مع القدرة؛ لأنها كالمكتوبة، إلا مِن عذر يمنع منه.
2- التكبيرات: وهي أربع تكبيرات لفعله rحين كبر على النجاشي أربع تكبيرات، قال أبو هريرة: إن رسول الله نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف بهم وكبر عليه أربع تكبيرات([28]).
3- قراءة الفاتحة: وذلك لأنها كسائر الصلوات يجب فيها القراءة، ولقوله r: «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب»([29])، وقد اختلف الفقهاء في مسألة قراءة الفاتحة على أقوال، والمروي عن أحمد أنها ركن ومحلها بعد التكبيرة الأولى([30]).
4- الصلاة على النبي r: وذلك لما أثر عنه r«إن السنة في الصلاة على الجنازة، أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى، ويقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي r»([31])، والصلاة على النبي rبعد التكبيرة الثانية ركن عند أحمد([32]).
5- الدعاء للميت: لقوله r: «إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء»([33])، وقد اختلف الفقهاء في موضع الدعاء، والمروي عن أحمد أن موضعه بعد التكبيرة الثالثة ويجوز بعد الرابعة، ولا يصح بعد سواهما([34]).
6- السلام: وذلك باعتبار أنها كالصلاة المكتوب، وكذلك لعموم قوله rفي الصلاة: «... وتحليلها السلام»([35])، وقد اختلف الفقهاء في عدده، والمروي عن أحمد أنها تسليمة واحدة([36]).
سنن صلاة الجنازة، منها:
1-الإسرار بالقراءة: لفعله rفي القراءة في صلاة الجنازة.
2- رفع اليدين مع التكبير: والمروي عن أحمد أنه يرفع يديه مع كل تكبيرة([37]).
3- وقوف الإمام حال الصلاة على الميت: وهو محل خلاف سيذكر.
4- الاستعاذة والاستفتاح: وهو محل خلاف، والمروي عن أحمد الاستعاذة، أما الاستفتاح ففي إحدى الروايات عنه([38]).
5- جعل المصلين ثلاثة صفوف: وذلك لحصول الأجر المأثور عنه rولقوله: «ما من ميت يموت فيصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون أن يكونوا ثلاثة صفوف إلا أوجب»([39]).
6- فعل الصلاة جماعة: لحصول الأجر، ولفعله rذلك، وكذلك لعموم قوله r: «من صلى عليه ثلاثة صفوف فقد أوجب»([40])، وكذلك قوله: «صلوا على صاحبكم»([41]).
فضل الصلاة على الجنازة:
بين rفضل صلاة الجنازة بأن فيه أجرًا كبيرًا مترتبًا على فعل يسير، وما ذلك إلا لتراحم المسلمين فيما بينهم وتعرضهم لرحمة الله تعالى، فالأجر يشمل المصلى عليه كلما كثر المصلون على الجنازة، ويتضح ذلك من قوله r: «من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما مثل أحد أو أحدهما مثل أحد»([42])، وقوله r: «من خرج مع جنازة من بيتها وصلى عليها فله قيراط، ومن تبعها حتى يفرغ منها فله قيراطان، أصغرهما مثل أحد أو أحدهما مثل أحد»([43])، وقوله r: «من تبع جنازة وحملها ثلاث مرات فقد قضى ما عليه من حقها»([44]).
صفة صلاة الجنازة:
أن يكبر المصلي أربع تكبيرات؛ فيكبر الأولى ويقرأ الفاتحة، ثم يكبر الثانية ويصلي على النبي rالصلاة الإبراهيمية كما في التشهد، ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت، ثم يكبر الرابعة، فإن شاء سلَّم، وإن قال: «اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده»([45])فذلك حسن.
وقت الصلاة على الجنازة:
تشرع الصلاة على الجنازة في أي وقت كان، ومن الفقهاء من قال بجوازها في غير أوقات النهي الثلاثة؛ وهي من الفجر وحتى ارتفاع الشمس قيد رمح، ووقت الزوال، ومن اصفرار الشمس حتى الغروب، ويجوز فيما سواها من الأوقات.
قال عقبة بن عامر: «ثلاث ساعات كان rينهانا أن نصلي فيها، وأن نقبر فيها موتانا؛ حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب»([46]).
مكان أداء الصلاة:
واختلف الفقهاء في مكان الصلاة على الجنازة، فاتفقوا على استحباب أدائها في المصلى، وقال البعض بكراهية فعلها في المسجد خوفًا من تلويثه، وإن أُمن ذلك فلا بأس من فعلها فيه([47]).
من يُصلى عليه:
تجب صلاة الجنازة على كل المسلمين من أهل القبلة، وفي كل الظروف، وأذكر هنا بعض الحالات:
- الصلاة على الغائب: تجوز الصلاة على الميت الغائب ما لم يكن من أهل البلد؛ إذ لزم حضوره لو كان من أهلها، وذلك لفعله rوصلاته على النجاشي رضي الله عنه، وكذلك صلاته r على قبر المرأة التي كانت تَقُمُّ المسجد؛ إذ قال لأصحابه لما علم بموتها: «أفلا آذنتموني»([48])، وهذا المسألة محل خلاف بين الفقهاء، والمروي عن أحمد جواز ذلك في إحدى الروايات عنه([49])، وينبغي وجود دليل للتخصيص إن كان، وليس هناك دليل للتخصيص ردًّا على من قال إن ذلك خاص بالنبي r([50]).
- الصلاة على الطفل:تجب الصلاة على الطفل، وذلك لفعله rولقوله r: «الطفل يصلى عليه»([51]).
- الصلاة على السقط: تجب الصلاة على السقط، وهم الذين يولدون قبل أوانهم أو يسقطون من بطون أمهاتهم؛ لقوله r: «والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالرحمة»([52])، وقد اختلف الفقهاء في عمر السقط، والمروي عن أحمد أنه يُصلى عليه بمجرد نفخ الروح فيه، وهي مدة أربعة أشهر([53]).
- الصلاة على الغالِّ، وقاتل نفسه، وصاحب الدين:تجب الصلاة على من قتل نفسه، وكذلك على الغال الذي غلَّ شيئًا من الغنيمة قبل القسمة في سبيل الله، وصاحب الدين، غير أنه rلم يصل عليهما بنفسه؛ زجرًا للناس وردعًا لمرتكبي المعاصي، في حين أمر rالصحابة أن يصلوا عليه بقوله: «صلوا على صاحبكم»([54]).
- الصلاة على من قتل حدًّا:تجوز الصلاة على من قتل حدًّا، لفعله rوصلاته على الذي اعترف على نفسه بالزنا، وكذلك المرأة التي اعترفت على نفسها، فأتت وهي حبلى من الزنا، فرجمها وصلى عليها، والحديث عند مسلم وأصحاب السنن([55]).
- الصلاة على الشهيد:اختلف الفقهاء في مسمى الشهيد وفي الصلاة عليه على قولين:
1- شهيد الآخرة، وهو كل مَن سُمِّي موته شهادة؛ كالحرقى، والغرقى، والمبطون، والمطعون، والمدافع عن ماله وعرضه ونفسه...
2- شهيد الدنيا والآخرة، وهو من استشهد في الجهاد.
وقد اختلف الفقهاء في هؤلاء الشهداء على عدة أقوال، والمروي عن أحمد أنه مَن كان مِن شهداء الدنيا والآخرة (الجهاد)، فإنهم لا يغسلون ولا يصلى عليهم، بل يدفنون بدمائهم كما هم، ولكنه يغسل إن كان عليه أثر النجاسة غير الدم، وإن كان من غير شهداء الجهاد؛ كالغرقى والحرقى وغيرهم من شهداء الآخرة، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه([56]).
ترتيب الجنائز:
يجب ترتيب الجنائز حال الصلاة عليها إذا كان هناك عدة جنائز رجال ونساء وصبيان، وقد اختلف الفقهاء في ذلك على أقوال، والجمهور على أن ترتيبيها كما في الصلاة، فيلي الإمام الرجال مباشرة ويأتي بعدهم الصبيان ويكون النساء أقرب للقبلة([57]).
وقوف الإمام:
اختلف الفقهاء في محل وقوف الإمام من الجنازة حال الصلاة عليها على عدة أقوال، والمروي عن أحمد أن يقف الإمام عند رأس الرجل ووسط المرأة([58]).
الأدعية المأثورة في صلاة الجنازة:
هناك الكثير من الأدعية المأثورة في صلاة الجنازة وبعدة صيغ مختلفة كلها حسن، واتفق الأئمة الأربعة على أنه ليس هناك دعاء معين بذاته، مع أفضلية الأدعية الواردة في السنة المطهرة، ومنها:
1- قوله r: «اللهم اغفر لحيِّنا وميِّتنا، وشاهدنا وغائبنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفه على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده»([59]).
2- قوله r: «اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، وأغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارًا خيرًا من داره، وأهلًا خيرا من أهله، وزوجًا خيرًا من زوجه، وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار»([60]).
3- وقوله r: «اللهم أنت ربها، وأنت خلقتها، وأنت هديتها إلى الإسلام، وأنت قبضتها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء فاغفر له»([61]).
4- وقوله r: «(اللهم اجعله لوالديه ذخرًا وفرطًا وسلفًا)، وأجرًا، اللهم ثقِّل به موازينهما، وأعظم به أجورهما، وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقِهِ برحمتك عذاب الجحيم»([62]).
5- وقوله r: «اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك، كان يشهد ألا إله إلا أنت وأن محمد عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسنًا فزد في إحسانه، وإن كان مسيئًا فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده»([63]).
6- وقوله r: «اللهم إن فلان ابن فلانة في ذمتك وحبل جوارك، فقِهِ فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحمد، اللهم اغفر له وارحمه، إنك أنت الغفور الرحيم»([64]).
من فاته شيء من التكبيرات:
اختلف الفقهاء فيمن فاته شيء من صلاة الجنازة على عدة أقوال، والمروي عن أحمد أن من فاته شيء من صلاة الجنازة ووجد الإمام قد سبقه، فإنه يكبر ويدخل في الصلاة مباشرة، ولا ينتظر حتى يكبر الإمام، ثم يقضي بعد سلام الإمام ما فاته على صفته؛ بأن يقرأ الفاتحة بعد أول تكبيرة بعد سلام الإمام وهكذا، وذلك ما لم ترفع الجنازة، فإن خيف رفعها كبر تكبيرات متتابعات دون دعاء، وعنه يجوز له أن يسلم دون قضاء الفائت([65]).
من سنن حمل الجنائز:
1- من السنة في حمل الجنازة اغتسال مغسل الميت، ووضوء حامل الجنازة؛ لقوله r: «من غسل الميت فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ»([66])، والمقصود أن من غسل الميت لا يؤمَن عليه النجاسة من تطاير رشاش الماء، لذا لزمه الغسل حتى يطهر، أما من حمل الجنازة فلزمه الوضوء استعدادًا للصلاة عليها، والمسألة محل خلاف.
2- من السنة في حمل الجنازة القيام لها حين تمر حتى تخلف المجلس، ومن تبعها لا يجلس إلا بعد وضعها، لقوله r: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا حتى تخلفكم أو توضع»، وفي رواية زيادة: «فمن تبعها فلا يجلس حتى توضع»([67])، والمسألة محل خلاف.
3- من السنة في حمل الجنازة عدم اتباعها بصوت أو نار، لقوله r: «لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار»([68])، والمقصود أي: لا تتبع بصوت نياحة، ولا بنار مجمرة (مبخرة).
4- من السنة في حمل الجنازة الإسراع بها برمل بسيط، بحيث لا تتعرض الجنازة للسقوط، لقوله r: «أسرعوا بالجنازة، فإن كانت صالحة فقربتموها إلى الخير، وإن كانت غير ذلك كان شر تضعونه عن رقابكم»([69]).
5- من السنة في حمل الجنازة التربيع، وهو حملها من جميع جوانب السرير إن استطاع المسلم ذلك ولم يكن هناك مشقة، لقوله r: «من اتبع جنازة فليحمل بجوانب السرير كلها، فإنه من السنة، ثم إن شاء فليتطوع وإن شاء فليدع»([70]).
والطريقة هي: أن يبدأ فيحمل الجنازة من القائمة الأمامية اليمنى على كتفه الأيمن، ثم القائمة اليمنى الخلفية، ثم القائمة اليسرى الأمامية على كتفه الأيسر، ثم القائمة الخلفية([71]).
***
القسم الثاني
بعض الأحكام
الزيادة في التكبير:
اختلف الفقهاء في زيادة عدد التكبيرات في صلاة الجنازة أكثر من أربع على عدة أقوال، والجمهور على أنها أربع فقط ولا يزاد عليها في إحدى الروايات عن أحمد، وهي التي وافق فيها الثلاثة الفقهاء، والرواية الأخرى المتابعة إلى خمس تكبيرات، والرواية الثالثة يتابع إلى سبع، وفي جميع الحالات لا يفارق الإمام بل يسلم معه([72]).
تعدد الجنائز حال الصلاة:
اختلف الفقهاء في مسألة تعدد الجنائز والصلاة لم تفرغ بعد، والمروي عن أحمد أنه إن كبر الإمام على جنازة فجيء بأخرى كبر التكبيرة الثانية عليهما، ثم إن جيء بالثالثة كبر الثالثة عليهن، ثم إن جيء برابعة مثلاً كبر الرابعة عليهن جميعًا، ثم يتمم سبع تكبيرات ليحصل للجنازة الرابعة أربع تكبيرات، ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة، وفي الخامسة الصلاة على النبي، وفي السادسة الدعاء للأموات، وفي السابعة السلام، لتكمل جميع الأركان لجميع الجنائز([73]).
تكرار الصلاة:
اختلف الفقهاء في تكرار صلاة الجنازة على الميت الواحد على عدة أقوال، والمروي عن أحمد أنه يجوز الصلاة على الجنازة لمن لم يصل أولاً ولو بعد الدفن، ويكره إعادتها لمن صلى أول مرة مع الجماعة([74]).
الصلاة على القبر:
اختلف الفقهاء في الصلاة على القبر لمن فاتته صلاة الجنازة أول مرة مع الجماعة على أقوال، والمروي عن أحمد أنه يجوز الصلاة على القبر، ولو بعد الدفن لمن فاتته الصلاة عليها([75])، ثم إنهم اختلفوا في المدة التي تجوز فيها الصلاة على القبر لمن فاتته، فقيل مدة أقصاها شهر، وهو المروي عن أحمد، استنادًا لفعله rلما صلى على أم سعد بن عبادة بعد دفنها بشهر([76]).
انعدام الرجال في الغسل والصلاة:
الجمهور على أن الميت إذا مات ولم يحضره إلا النساء أو ميتة لا يحضرها إلا الرجال، لا يغسل، بل يكتفى بأن ييمم، وهو مروي عن أحمد ويصل التيمم إلى (الكوع)([77])، وإذا كُنَّ نساءً يصلين على الرجل جماعة وإمامهن وسطهن([78]).
أما مسألة (غسل الرجل إحدى محارمه غير زوجته) فالمروي عن أحمد عدم الجواز([79]).
موت الحامل:
اختلف الفقهاء في الحامل تموت، والمروي عن أحمد إن ماتت وولدها يتحرك ورجيت حياته سطت عليه القوابل فأَخْرَجَته، ولا يشق بطنها؛ لأن فيه هتكًا لحرمة متيقنة لإبقاء حياة موهومة، فإن لم يخرج تركت حتى تموت ثم تدفن، ويحتمل أن يشق بطنها إن غلب على الظن أنه يحيا؛ لأن حفظ حرمة الحي أولى([80]).
نقل الميت قبل الدفن:
اختلف الفقهاء في مسألة نقل الميت قبل الدفن، والمروي عن أحمد أن نقله إلى غير بلده من غير حاجة مكروه؛ لأنه أذى للميت وللأحياء من غير فائدة([81]).
دفن الجنازة ليلاً:
الجمهور على أن دفن الجنازة ليلاً جائز، قال ابن عباس: «صلى النبي rعلى رجل بعد ما دفن بليلة، قام هو وأصحابه، وكان سأل عنه فقالوا: فلان دفن البارحة، فصلوا عليه»([82]).
عدد الأموات في القبر:
السنة ألا يدفن في القبر الواحد إلا ميت واحد، إلا إذا دعت الحاجة لذلك، وإن حصل ذلك يقدم أكثرهم حفظًا للقرآن فيقدم في اللحد، وإن استووا بدأ بأفضلهم وبأكبرهم، ويجعل بين كل اثنين تراب حاجز وكأن كلاًّ منهم في قبر، وإن اختلفت الجنائز قدم الرجل ثم الصبي خلفه ثم المرأة خلفه، يجعل بين كل اثنين تراب، ويجوز أن يدفنوا كالنهر؛ بحيث يكون رأس الأول عند رجل الثاني يفصل بينهم التراب([83]).
من سنن الدفن والقبر:
1- من السنة عند الدفن أن اللحد أفضل من الشق، لقوله r: «اللحد لنا والشق لغيرنا»([84]).
2- من السنة عند إدخال الميت القبر قول ما ورد عنه r: «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله»، وفي رواية: «وعلى سنة رسول الله»([85]).
3- من السنة عند الدفن إدخال الميت القبر من جهة رأسه ورش القبر بالماء بعد دفن الميت، قال أبو رافع: «سل رسول الله rسعدًا ورش على قبره ماءً»([86])، وقال ابن عباس: «سل رسول الله rمن قبل رأسه»([87]).
4- من السنة في دفن المرأة أن يدخلها القبر أحد محارمها، أو رجل لم يصب من أهله ولم يجامع تلك الليلة، قال أنس: شهدنا بنت رسول الله تدفن ورسول الله rجالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان فقال: «هل فيكم من أحد لم يقارف الليلة؟» فقال أبو طلحة: أنا، قال: «فانزل في قبرها» فنزل في قبرها فقبرها([88]).
5- من السنة عند الدفن وضع الميت في قبره على جنبه الأيمن متوجهًا القبلة، ويوضع تحت رأسه حجر أو كومة تراب، ثم تحل العقد، قال r: «... البيت الحرام قبلتكم أحياءً وأمواتًا»([89]).
6- من السنة المأمور بها عند القبور عدم تجصيص القبر أو البنيان أو الجلوس أو الكتابة عليه، أو أن يتخذ طريقًا يوطأ، قال r: «لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر»([90]).
وقال جابر: «نهى رسول الله rأن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه»، وفي رواية: «وأن يكتب عليها وأن توطأ»، وفي رواية: «أو يزاد عليه»([91]).
7- من السنة عند الدفن حثو ثلاث حثوات من تراب على القبر، قال أبو هريرة: «إن رسول الله rصلى على جنازة ثم أتى قبر الميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثًا»([92]).
8- من السنة حال الدفن عدم السير على القبر بالنعال، قال رسول الله rلما نظر رجلاً يمشي على القبور وعليه نعلان قال r: «يا صاحب السبتيتين، ويحك ألق سبتيتيك» فنظر الرجل، فلما عرف رسول الله rخلعهما فرمى بهما([93]).
9- من السنة جعل الإذخر على قبر الميت بعد دفنه إن تيسر؛ يرجع ذلك لفعله rلما أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين ووضعهما على القبرين، وقال r: «لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا»([94])، وقد رد البعض أن ذلك خاص بالنبي rلأنه علم حال الرجلين من العذاب، وليس لغيره معرفة ذلك، وأن فعله ذلك كان في قبرين قديمين وليس حال الدفن لقبرين جديدين، في حين يقوى قول القائلين([95])بفعل ذلك قوله rلما ذكر حرمة مكة فقال له العباس: إلا الإذخر فإنه لصاغتنا وقبورنا - وفي رواية - لقينهم وبيوتهم، فقال r: «إلا الإذخر»([96]).
وعمومًا فهذه المسألة محل خلاف بين الفقهاء، وهي مبسوطة في كتب الفقه، أما مسألة وضع الحشيش أو البرسيم على القبر لمنع تساقط التراب على القبر، قال الفقهاء إنه بهذا القصد لا بأس به.
10- من السنة بعد الدفن تعليم القبر بالحجر وما أشبه وبدون كتابة عليه ليعرف أنه قبر، قال أنس: «إن النبي rأعلم قبر عثمان بن مظعون بصخرة»([97])، ومن ذلك صيانة القبور عن الامتهان بتسويرها، ومنع المارة والبهائم من وطئها.
11- من السنة بعد الدفن الدعاء للميت فرادى، قال عثمان: كان النبي إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه، وقال: «استغفروا لأخيكم (وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل)»([98]).
12- اختلف الفقهاء في مسألة تلقين الميت بعد الدفن، وهي أن يقف رجل عند رأس الميت بعد دفنه ويقول: «يا فلان ابن فلانة، اذكر ما خرجت عليه من الدنيا؛ شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد نبيًّا، وبالقرآن إمامًا»([99])، وقد اختلف الفقهاء في ذلك، فمنهم من قال بجوازه كالحنابلة والشافعية([100])، ومنهم من قال بعدم مشروعيته وأنه بدعة؛ لعدم ثبوت ذلك الأثر عندهم.
13- اختلف الفقهاء في مسألة القراءة على القبر بعد الدفن، وكذلك عند الزيارة، لما في الآثار: «إذا مات أحدكم فلا تحبسوه وأسرعوا به إلى قبره، وليقرأ عند رأسه بفاتحة الكتاب وعند رجليه بخاتمة البقرة في قبره»([101])، وكذلك: «من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ، وكان له بعدد من فيها حسنات»([102])، وقد قال بجواز القراءة على القبر الكثير من الفقهاء؛ الحنابلة والشافعية والحنفية([103])، فيما كره ذلك المالكية([104])، فهي محل خلاف، والقراءة الراتبة (الدائمة) على القبور بدعة لا أصل لها في أصح الأقوال([105]).
14- من السنة عند زيارة القبور بعد الدفن قول الدعاء المأثور عنه rوهو قوله: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»([106])، أو قوله r: «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون»، وفي رواية زيادة: «أسأل الله لنا ولكم العافية»([107]).
15- ومن السنة المأمور بها منع زيارة النساء للقبور، وعدم بناء المساجد عليها، وعدم وضع السرج على المقابر، قال ابن عباس: «لعن رسول الله rزائرات القبور، والمتخذين عليها المساجد والسرج»([108])، ومسألة زيارة النساء للقبور مختلف فيها، والجمهور على عدم الزيارة.
نبش القبر والدفن قبل التحلل:
الجمهور على أن نبش القبر من غير ضرورة حرام، والمروي عن أحمد أنه يحرم من غير ضرورة، وكما يحرم دفن الميت على أخيه الميت قبل أن يتحلل الميت السابق ويصير ترابًا([109]).
من السنن بعد الدفن:
1- من السنة بعد الموت مواساة ومساعدة أهل الميت بصنع الطعام لهم، لقوله rلما مات جعفر: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم»([110])، وقال جرير البجلي: (كنا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة)([111]).
2- معرفة أن الموت خير للعبد في جميع الأحوال، لقوله rلما مرت جنازة فقال r: «مستريح أو مستراح منه» قالوا: يا رسول الله، ما المستريح والمستراح منه؟ فقال: «العبد المؤمن يسترح من نصب الدنيا والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب»([112]).
3- من السنة بعد الموت عدم سب الأموات لثلاثة أسباب؛ الأول: عدم الفائدة من سبهم، والثاني: كون سبهم غيبة ومعصية لله تعالى، والثالث: إيذاء الأحياء من أقارب الميت، وفي النهاية فالكلام فيهم لا ينفعهم بشيء؛ لأنهم قد أفضوا ووصلوا إلى ما عملوا في دنياهم، خيرًا كان أو شرًّا، وقد قال r: «لا تسبوا الأموات؛ فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا»([113])، وقال r: «لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء»([114]).
4- من السنة إن ذكر الميت أن يذكر بخير وتذكر محاسنه ويكف عن مساوئه، فذكر المحاسن مجال للاقتداء وإدخال السرور على ذويه، وذكر المساوئ ليس منه أي فائدة سوى إيذاء الأقارب الأحياء، وقد قال r: «اذكروا محاسن موتاكم، وكفوا عن مساويهم»([115]).
من السنن في التعزية:
1- قال الإمامان الشافعي وأحمد بمشروعية التعزية قبل الدفن وبعده.
2- قال الأئمة مالك والشافعي وأحمد الجلوس للتعزية مكروه.
3- قال الإمام أحمد في التعزية إن شئت أخذت بيد المعزي وإن شئت لم تأخذ بيده (أي: المصافحة حال التعزية).
4- كره الإمام أحمد التعزية عند القبر إلا لمن لم يعزِّ قبل ذلك.
5- كره الإمام أحمد التعزية بعد ثلاثة أيام.
6- قال الإمام أحمد لا بأس بالجلوس قرب دار الميت لاتباع الجنازة أو قد يخرج وليه فيعزيه.
7- قال الفقهاء بجواز تعزية غير المسلم ولا سيما إن كان رَحِمًا.
8- ليس للتعزية لفظ معين، وقد اتفق العلماء على لفظين؛ لفظ خاص بالمؤمن وهو «أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك»، وللقريب غير المسلم: «أعظم الله أجرك وأحسن عزاك»، ولا يقال للكافر غير القريب: «أعظم الله أجرك»، بل يعزى بأي لفظ آخر.
التفاصيل ..